فصل: ومن باب ما يؤمر من القيام على الدواب والبهائم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب ما يؤمر من القيام على الدواب والبهائم:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مهدي حدثنا ابن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر قال: «أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فأسرّ إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفا أو حائش نخل قال فدخل حائطًا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرَفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذِفراه فسكت وقال من رب هذا الجمل لمن هذا الجمل فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله قال أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه».
قلت: الهدف كل ما كان له شخص مرتفع من بناء وغيره وقد استهدف لك الشيء إذا قام وانتصب لك. والحائش جماعة النخل الصغار لا واحد له من لفظه والذفري من البعير مؤخر رأسه وهو الموضع الذي يعرق من قفاه.
وقوله: «تدئبه» يريد تكده وتتعبه.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن حمزة الضبي سمعت أنس بن مالك قال: «كنا إذا نزلنا منزلًا لا نُسبح حتى تحل الرحال».
يريد لا نصلي سبحة الضحى حتى تحط الرحال ويجم المطي.
وكان بعض العلماء يستحب أن لا يطعم الراكب إذا نزل المنزل حتى يعلف الدابة.
وأنشدني بعضهم فيما يشبه هذا المعنى.
حق المطية أن يبدا بحاجتها ** لا أطعم الضيف حتى أعلف الفرسا

.ومن باب تقليد الخيل الأوتار:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري أخبره «أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، قال فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا قال عبد الله بن أبي بكر حسبت أنه قال والناس في مبيتهم لا تُبقينَّ في رقبة بعير قلادة من وتر ولا قلادة إلاّ قطعت».
قال: وحدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هشام بن سعيد الطالقاني أخبرنا محمد بن المهاجر حدثني عقيل بن شبيب، عَن أبي وهب الجُشمي وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وإعجازها وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار».
قلت: أمره صلى الله عليه وسلم بقطع قلائد الخيل يتأول على وجوه؛ قال مالك بن أنس أرى أن ذلك من أجل العين، وقال غيره إنما أمر بقطعها لأنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس. وقال بعضهم إنما نهى عن تقليدها الأوتار لئلا تختنق بها عند شدة الركض، وقوله: «لا تقلدوها الأوتار» يحتمل أن يكون أراد عين الوتر خاصة دون غيره من السيور والخيوط وغيرها، وقيل معناه لا تطلبوا عليها الأوتار والذحول ولا تركضوها في درك الثأر على ما كان من عاداتهم في الجاهلية.

.ومن باب ركوب الجلالة:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: «نهى عن ركوب الجلالة».
الجلالة الإبل التي تأكل العذرة، والجَلة البعر كره صلى الله عليه وسلم ركوبها كما نهى عن أكل لحومها، ويقال إن الإبل إذا اجتلت أنتن روائحها إذا عرقت كما تنتن لحومها.

.ومن باب الرجل يسمي دابته:

قال أبو داود: حدثنا هناد بن السري، عَن أبي الأحوص، عَن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن معاذ رضي الله عنه قال: «كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عُفَير».
قلت: عفير تصغير أعفر يحذفون الألف في تصغيره كما حذفوه في تصغير أسود فقالوا سويد وكما قالوا عوير من أعور وكان القياس أن يقال في تصغير أعفر أعيفر كما قالوا أحيمر من أحمر وأصيفر من أصفر.
وفيه أن الإرداف مباح إذا كانت الدابة تقوى على ذلك ولا يضر بها الضرر البين، وتسمية الدواب شكل من أشكال العرب وعادة من عاداتها، وكذلك تسمية السلاح وأداة الحرب وكان سيفه صلى الله عليه وسلم يسمى ذا الفقار ورايته العُقاب ودرعه ذات الفضول وبغلته دُلدُل وبعض أفراسه السكب وبعضها البحر.

.ومن باب النهي عن لعن البهيمة:

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب، عَن أبي قلابة، عَن أبي المهلب عن عمران بن حصين «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فسمع لعنة فقال ما هذه قالوا هذه فلانة لعنت راحلتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ضعوا عنها فإنها ملعونة فوضعوا عنها قال عمران فكأني أنظر إليها ناقة ورقاء».
قلت: زعم بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بذاك فيها لأنه قد استجيب لها الدعاء عليها باللعن واستدل على ذلك بقول فإنها ملعونة.
وقد يحتمل أن يكون إنما فعل ذلك عقوبة لصاحبها لئلا تعود إلى مثل قولها ومعنى ضعوا عنها أي ضعوا رحلها وأعروها لئلا تركب.

.ومن باب وسم الدابة:

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك، قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بأخ لي حين ولد ليحنكه فإذا هو في مربد يسِم غنمًا أحسبه قال في آذانها».
قلت: في هذا دلالة على أن الأذن ليس من الوجه لأنه قد نهى صلى الله عليه وسلم عن وسم الوجه وضربه.

.ومن باب كراهة الحمر تنزى على الخيل:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عَن أبي الخير عن ابن زُرير عن علي بن أبي طالب، قال: «أحديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها فقال عليّ لو حملنا الحمير على الخيل فكانت لنا مثل هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون».
قلت: يشبه أن يكون المعنى في ذلك والله أعلم، إن الحمر إذا حملت على الخيل تعطلت منافع الخيل وقل عددها وانقطع نماؤها والخيل يحتاج إليها للركوب والركض والطلب وعليها يجاهد العدو وبها تحرز الغنائم ولحمها مأكول ويسهم للفرس كما يسهم للفارس وليس للبغل شيء من هذه الفضائل فأحب صلى الله عليه وسلم أن ينمو عدد الخيل ويكثر نسلها لما فيها من النفع والصلاح، ولكن قد يحتمل أن يكون حمل الخيل على الحمر جائزًا لأن الكراهة في هذا الحديث إنما جاءت في حمل الحمر على الخيل لئلا تشغل أرحامها بنجل الحمر فيقطعها ذلك عن نسل الخيل فإذا كانت الفحولة خيلًا والأمهات حمرا فقد يحتمل أن لا يكون داخلا في النهي إلاّ أن يتأول متأول أن المراد بالحديث صيانة الخيل عن مزاوجة الحمر وكراهة اختلاط مائها بمائها لئلا يضيع طرقها ولئلا يكون منه الحيوان المركب من نوعين مختلفين فإن أكثر المركبات المتولدة بين جنسين من الحيوان أخبث طبعا من أصولها التي تتولد منها وأشد شراسة كالسِمع والعسبار ونحوهما، وكذلك البغل لما يعتريه من الشماس والحران والعضاض في نحوها من العيوب والآفات ثم هو حيوان عقيم ليس له نسل ولا نماء ولا يُذكي ولا يزكى.
قلت: وما أرى هذا الرأي طائلا فإن الله سبحانه قال: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} [النحل: 8] فذكر البغال وامتن علينا بها كامتنانه بالخيل والحمير وأفرد ذكرها بالاسم الخاص الموضوع لها ونبه على ما فيها من الأرب والمنفعة. والمكروه من الأشياء مذموم لا يستحق المدح ولا يقع بها الامتنان، وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم البغل واقتناه وركبه حضرًا وسفرًا وكان يوم حنين على بغلته حين رمى المشركين بالحصباء وقال شاهت الوجوه فانهزموا ولو كان مكروهًا لم يقتنه ولم يستعمله والله أعلم.

.ومن باب الوقوف على الدابة:

قال أبو داود: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا ابن عياش عن يحيى بن أبي عمرو الشيياني، عَن أبي مريم، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتخذوا ظهور دوابكم منابر فإن الله إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلاّ بشق الأنفس وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم».
قلت: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب على راحلته واقفا عليها فدل ذلك على أن الوقوف على ظهورها إذا كان لأرب أو بلوغ وطر لا يدرك مع النزول إلى الأرض مباح جائز، وأن النهي إنما انصرف في ذلك إلى الوقوف عليها لا لمعنى يوجبه لكن بأن يستوطنه الإنسان ويتخذه مقعدًا فيتعب الدابة ويضر بها من غير طائل.

.ومن باب الدابة تعرقب في الحرب:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني ابن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير، قال أبو داود وهو يحيى بن عباد قال: حدثني أبي الذي أرضعني وهو أحد بني مرة بن عوف، وكان في تلك الغزاة غزاة مؤتة قال: «والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم حتى قتل».
قلت: هذا يفعله الفارس في الحرب إذا أزهق وأيقن أنه مغلوب فينزل ويجالد العدو راجلا وإنما يعقر فرسه لئلا يظفر به العدو فيقوى به على قتال المسلمين.
وقد اختلف الناس في الفرس يقف على صاحبه فيعقره لئلا يظفر به العدو فرخص فيه مالك بن أنس. وعن أبي حنيفة أنه قال إذا ظفر المسلمون بدواب ومواش فعجزوا عن حملها ذبحوها وحرقوا لحومها، وكره ذلك الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل، واحتج الشافعي بحديث النبي صلى الله عليه وسلم من قتل عصفورًا فما فوقه بغير حقه سأله الله تعالى عن قتله، واحتج بنهيه عن قتل الحيوان إلا لمأكله، قال وأما أن يعقر بالفارس من المشركين فله ذلك لأن ذلك أمر يجد به السبيل إلى قتل من أمر بقتله. وضعف أبو داود إسناد حديث جعفر وكره أيضًا عقر الدابة.

.ومن باب السبق:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا المعتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يضمر الخيل يسابق بها».
قلت: تضمير الخيل أن يعلف الحب والقضيم حتى تسمن وتقوى ثم تغشى بالجلال وتترك حتى تحمى فتعرق ولا تعلف إلاّ قوتا ًحتى تضمر ويذهب رهلها فيخف فإذا فعل ذلك بها فهي مضمرة ومن العرب من يطعمها اللحم واللبن في أيام التضمير.
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وأن عبد الله ممن سابق بها».
الأمد الغاية، قال النابغة:
سبق الجواد إذا استولى على الأمد

يريد أنه جعل غاية المضامير أبعد من غاية ما لم يضمر منها.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا سبق إلاّ في خف أو حافر أو نصل».
السبق بفتح الباء هو ما يجعل للسابق على سبقه من جعل أو نوال. فأما السبق بسكون الباء فهو مصدر سبقت الرجل أسبقه سبقًا، والرواية الصحيحة في هذا الحديث السبق مفتوحة الباء. يريدان الجعل والعطاء لا يستحق إلاّ في سباق الخيل والإبل وما في معناهما، وفي النصل وهو الرمي وذلك لأن هذه الأمور عدة في قتال العدو وفي وبذل الجعل عليها ترغيب في الجهاد وتحريض عليه. ويدخل في معنى الخيل البغال والحمير لأنها كلها ذوات حوافر وقد يحتاج إلى سرعة سيرها ونجائها لأنها تحمل أثقال العساكر وتكون معها في المغازي.
وأما السباق بالطير والزجل بالحمام وما يدخل في معناه مما ليس من عدة الحرب ولا من باب القوة على الجهاد فأخذ السبق عليه قمار محظور لا يجوز.

.ومن باب المحلل:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا حصين بن نمير حدثنا سفيان بن حسين (ح) وحدثنا علي بن مسلم حدثنا عباد بن العوام أخبرنا سفيان بن حسين المعنى عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدخل فرسا بين فرسين، يَعني وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار».
قلت: الفرس الثالث الذي يدخل بينهما يسمى المحلل، ومعناه أنه يحلل للسابق ما يأخذه من السبق فيخرج به عقد التراهن عن معنى القمار الذي إنما هو مواضعة بين اثنين على مال يدور بينهما في الشقين فيكون كل واحد منهما إما غانما أو غارما، ومعنى المحلل ودخوله بين الفرسين المتسابقين هو لأن يكون أمارة لقصدهما إلى الجري والركض لا إلى المال فيشبه حينئذ القمار وإذا كان فرس المحلل كفئا لفرسيهما يخافان أن يسبقهما فيحرز السبق اجتهدا في الركض وارتاضا به ومرنا عليه وإذا كان المحلل بليدا أو كئودا مأمونًا أن يسبق غير مخوف أن يتقدم فيحرز السبق لم يحصل به معنى التحليل وصار إدخاله بينهما لغوا لا معنى له وحصل الأمر على رهان بين فرسين لا محلل معهما وهو عين القمار المحرم.
وصورة الرهان والمسابقة في الخيل أن يتسابق الرجلان بفرسيهما فيعمدا إلى فرس ثالث كفء لفرسيهما يدخلانه بينهما ويتواضعان على مال معلوم يكون للسابق منهما فمن سبق أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه ولم يكن على المحلل شيء. فإن سبقهما المحلل أحرز السبقين معًا. وإنما يحتاج إلى المحلل فيما كان الرهن فيه دائرا بين اثنين. فأما إذا سبق الأمير بين الخيل وجعل للسابق منهما جعلا أو قال الرجل لصاحبه إن سبقت فلانا فلك عشرة دراهم فهذا جائز من غير محلل والله أعلم.
وفي الحديث دليل على أن التوصل إلى المباح بالذرائع جائز وأن ذلك ليس من باب الحيلة والتلجئة المكروهتين.